فصل: فصلٌ: (مَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (مَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا):

(وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ»، فَتَكُونُ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الطَّهَارَةِ فَلَمْ تَكُنْ فَرْضًا، ثُمَّ قِيلَ هِيَ سُنَّةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ، فَإِذَا شَرَعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَهُوَ سُنَّةٌ يَصِيرُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ.
(وَلَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ)، لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي الرُّكْنِ فَكَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ (وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ، وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُ كُلِّهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا، وَفِي الْجِنَايَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَقُصُورِهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ، ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ.
وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ، لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ فَيُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ اسْتِدْرَاكًا لَهُ وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جَابِرٌ لَهُ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الْعَوْدُ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا إنْ عَادَ وَطَافَ جَازَ، وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ خَفَّ مَعْنَى النُّقْصَانِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الصَّدْرِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ)، لِأَنَّهُ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ تَجِبُ شَاةٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ (وَلَوْ طَافَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ)، لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَثِيرٌ ثُمَّ هُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ.
الشرح:
فصلٌ:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، وَأَحْمَدُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ:
أَحَدُهُمَا: «أَنَّهَا حَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».
الثَّانِي: «أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكُنْت أَفَضْت يَوْمَ النَّحْرِ يَعْنِي الطَّوَافَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْفِرِي إذًا».
قَالَ: فَمَنَعَ مِنْ الطَّوَافِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، قَالَ: فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ: إنَّمَا مَنَعَ لِأَجْلِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ. قُلْنَا: الْمَنْقُولُ حُكْمٌ، وَسَبَبٌ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ، فَلَمَّا تَعَرَّضَ لِلطَّوَافِ لَا لِلْمَسْجِدِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَأَلْت حَمَّادًا، أَوْ مَنْصُورًا عَنْ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا، قَالَ: وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ بِشْرٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: حَاضَتْ امْرَأَةٌ، وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ سُنَّةَ طَوَافِهَا.
قَوْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا أَنَّ عَلَيْهِ بَدَنَةً.
قُلْت: غَرِيبٌ.
(وَمَنْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ)، لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فَتَلْزَمُهُ شَاةٌ، فَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَعُودَ وَيَبْعَثَ بِشَاةٍ لِمَا بَيَّنَّا.
(وَمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَهَا)، لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَكْثَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا.
(وَمَنْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ)، لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ الْأَكْثَرَ مِنْهُ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ.
(وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْوَاجِبِ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ)، لِأَنَّ الطَّوَافَ وَرَاءَ الْحَطِيمِ وَاجِبٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَالطَّوَافُ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةَ وَيَدْخُلَ الْفُرْجَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَطِيمِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي طَوَافِهِ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلطَّوَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ (وَإِنْ أَعَادَ عَلَى الْحِجْرِ) خَاصَّةً (أَجْزَأَهُ)، لِأَنَّهُ تَلَافَى مَا هُوَ الْمَتْرُوكُ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ هَكَذَا يَفْعَلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ (فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ)، لِأَنَّهُ تَمَكُّنُ نُقْصَانٍ فِي طَوَافِهِ بِتَرْكِ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبْعِ وَلَا تَجْزِيهِ الصَّدَقَةُ.
(وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَطَوَافَ الصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ كَانَ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَا: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ)، لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يُنْقَلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُنْقَلُ إلَيْهِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُنْقَلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ، لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِعَادَةَ، فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ مُؤَخِّرًا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ الصَّدْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
(وَمَنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَحَلَّ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَمَّا إعَادَةُ الطَّوَافِ فَلِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِيهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، وَإِذَا أَعَادَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ (وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ إذْ النُّقْصَانُ يَسِيرٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى أَثَرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ وَكَذَا إذْ أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فِي الصَّحِيحِ.
(وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَحَجُّهُ تَامٌّ)، لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا، فَيَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ دُونَ الْفَسَادِ.
(وَمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ عَرَفَاتٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الرُّكْنَ أَصْلُ الْوُقُوفِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ الْإِطَالَةِ شَيْءٌ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» فَيَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا، لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوُقُوفِ عَلَى مَنْ وَقَفَ نَهَارًا لَا لَيْلًا، فَإِنْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَدْرَكًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَعْنِي فِي الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ».
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: «فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ»، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفَاضَ مِنْهَا حِينَ غَرَبَتْ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ، قَالَ: «كُنْت رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وَقَعَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا عِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ مِثْلَ عَمَائِمِ الرِّجَالِ، وَإِنَّا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ»، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ حَتَّى تُعَمَّمَ الشَّمْسُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَفِيضُ حَتَّى تَغِيبَ»، مُخْتَصَرٌ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الرُّكَيْنِ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: إذَا سَقَطَتْ الشَّمْسُ فَأَفِضْ، انْتَهَى.
(وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ)، لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ (وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَحَقُّقِ تَرْكِ الْوَاجِبِ (وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ)، لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ، ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا (وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ)، لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ.
(وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ)، لِأَنَّ الْكُلَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ نُسُكٌ وَاحِدٌ، فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِوُجُودِ تَرْكِ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ)، لِأَنَّهُ كُلُّ وَظِيفَةِ هَذَا الْيَوْمِ رَمْيًا، وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا (وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ)، لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الْأَقَلُّ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ.
(وَمَنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَهُ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ، وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ، لَهُمَا أَنَّ مَا فَاتَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْقَضَاءِ وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ شَيْءٌ آخَرُ.
وَلَهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ بِالْمَكَانِ كَالْإِحْرَامِ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ بِالزَّمَانِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
قُلْت: هَكَذَا هُوَ فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا سَلَّامٍ بْنُ مُطِيعٍ أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ حَجِّهِ، أَوْ أَخَّرَهُ، فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ، نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ ثَنَا الْخَصِيبُ ثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدُ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ مَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ، قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ إلَّا قَالَ: لَا حَرَجَ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي تَقْدِيمِ مَا قَدَّمُوا، وَلَا تَأْخِيرِ مَا أَخَّرُوا، مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ الدَّمَ، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَلَى الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ فِيهِ، كَيْفَ هُوَ، فَعَذَرَهُمْ لِجَهْلِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ فِي الْمُسْتَأْنَفِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مَنَاسِكَهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُئِلَ عَنْ الذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ: لَا حَرَجَ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمِنًى، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أَرَى أَنَّ الذَّبْحَ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَذَبَحْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، قَالَ: فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَدَّمَهُ رَجُلٌ قَبْلَ شَيْءٍ، إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»، انْتَهَى.
(وَإِنْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ اعْتَمَرَ فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَصَّرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) رَحِمَهُ اللَّهُ (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ).
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُعْتَمِرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَاجِّ قِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ فِي الْحَجِّ بِالْحَلْقِ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ هُوَ يَقُولُ الْحَلْقُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْحَرَمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ.
وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ لَمَّا جُعِلَ مُحَلِّلًا صَارَ كَالسَّلَامِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا وَإِنْ كَانَ مُحَلَّلًا، فَإِذَا صَارَ نُسُكًا اخْتَصَّ بِالْحَرَمِ كَالذَّبْحِ وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْقِيتِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ وَأَمَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالِاتِّفَاقِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشَرَةَ مِائَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، قَالَ: وَسَارَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى إذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اُكْتُبْ: هَذَا مَا قَضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَصَّ الْخَبَرَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيك مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِك إلَّا رَدَدْته إلَيْنَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا»، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ: وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجُ الْحَرَمِ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْقَابِلَ»، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِحْصَارِ.
(وَالتَّقْصِيرُ وَالْحَلْقُ فِي الْعُمْرَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ)، لِأَنَّ أَصْلَ الْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِ بِخِلَافِ الْمَكَانِ، لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ بِهِ.
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى رَجَعَ وَقَصَّرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) مَعْنَاهُ إذَا خَرَجَ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ عَادَ، لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مَكَانِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ (فَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ عَلَى مَا قُلْنَا.